الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار
.[3/117] باب ما جاء من النهي عن القراءة في الركوع والسجود 1120 - عن ابن عباس قال: «كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: يا أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمنٌ أن يستجاب لكم» رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود.1121 - ولمسلم من حديث علي رضي الله عنه: «نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا».قوله: «قَمِنَ» فتح القاف والميم وقد تكسر الميم، فمن فتح فهو عنده مصدر، ومن كسر فهو عنده وصف، وفيه لغة ثالثة (قمين) ومعناه: حقيق وجدير..[3/118] باب ما يقول في رفعه من الركوع وبعده 1122 - عن أبي هريرة قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد» مختصر من حديثه، وهو متفق عليه. وقد تقدم في باب التكبير في الركوع والسجود بتمامه.1123 - وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد» متفق عليه.1124 - وعن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملءَ السموات، وملءَ الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بَعْدُ، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدُّ» رواه مسلم والنسائي.1125 - وزاد مسلم بعد قوله: «أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد» لكن الزيادة المذكورة هي من حديث أبي سعيد.1126 - وأخرج مسلم وأبو داود من حديث ابن أَبي أَوْفَى قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع ظهره من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد»، وفي رواية لمسلم: «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس».قوله: «سمع الله لمن حمده» قال في "الدر النثير": أي تقبل منه حمده. انتهى.1127 - وقد تقدم في باب التكبير للركوع والسجود حديث أبي موسى، وفيه: «فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: يسمع الله لمن حمده»..[3/119] باب ما جاء في وجوب الانتصاب بعد الركوع 1128 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» رواه أحمد بإسناد فيه عبد الله بن زيد الحنفي، قال في "مجمع الزوائد": لم أجد من ترجمه، وتعقبه الحافظ في "المنفعة" وقال: إنه وهم الهيثمي في تسميته عبد الله بن زيد وإنه عبد الله بن بدر، وهو ثقة يروي عن أبي هريرة بواسطة.1129 - وعن عليّ بن شَيْبَان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد وابن ماجه، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحه".1130 - وعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود» رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، ورواه الدارقطني والبيهقي، وقال إسناده ثابت صحيح، وقد تقدم في صفة الركوع.1131 - وسيأتي إن شاء الله حديث المسيء صلاته، وهو حديث أبي هريرة في باب السجدة الثانية ولزوم الطمأنينة، وفيه: «ثم اركع حتى تَطْمَئِن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» وهو متفق عليه..[3/120] باب صفة السجود وما نهي عنه 1132 - عن وائل بن حُجْر قال: «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» رواه الخمسة إلا أحمد، وحسنه الترمذي، وقال: غريب، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان وابن السَّكَن في صحاحهم.1133 - وعن أنس «أنه - صلى الله عليه وسلم - انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه» أخرجه الدارقطني، وقال: تفرد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول، وأخرجه الحاكم، وقال: هو على شرطهما، ولا أعلم له علة.1134 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال الخطابي: حديث وائل بن حجر أثبت من هذا، وأخرجه الترمذي، وقال: غريب، وحديث أبي هريرة هذا قد تكلم في إسناده.1135 - وقال الحافظ في "بلوغ المرام": إنه أقوى من حديث وائل لأن له شاهدًا من حديث ابن عمر، صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقًاموقوفًا، وقد بحث ابن القيم في "الهدي" بحثًا نفيسًا، وحاصله: أنه وقع في حديث أبي هريرة قلب، وذلك لأن آخره يخالف أوله، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، فإن البعير إنما يضع يديه أولًا. وقد رواه ابن أبي شيبة بلفظ: «كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه» فجاء بالصواب، وهو موافق لحديث وائل بن حجر، وقال الخطابي: إن تقديم الركبتين أثبت من تقديم اليدين، وبه قال أكثر العلماء، وهو أرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل، ورأي العين، وقرر في "الهدي" إن ركبة البعير في رجليه، وهذه المسألة من المعارك التي يتبلد عندها الخريت الماهر، وإن بلغت يداه في الطول ما لم تبلغه أيدي المحققين في الحديث والأصول.1136 - وعن عبد الله بن بُحَيْنةَ قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد يُجَنِّح في سجوده حتى يرى وَضح إبطيه» متفق عليه، وفي رواية لهما من حديثه: «كان إذا صلَّى فرَّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه».1137 - وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» رواه الجماعة.1138 - وعن أبي حميد في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه» رواه أبو داود، وقد تقدم في رفع اليدين وهذا طرف منه.1139 - وعنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا سجد مَكَّن أنفه وجبهته من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، ووضع كفه حذو منكبيه» رواه أبو داود بإسناد صحيح والترمذي، وصححه، وهذا طرف منه، وقد أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة في "صحيحه".1140 - وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك» رواه مسلم.1141 - وقد تقدم في حديث أبي حُمَيْد الساعدي في رفع اليدين، وفيه: «فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» أخرجه البخاري.قوله: «يُجَنِّح» بضم التحتية بعدها جيم مفتوحة، ونون مشددة مكسورة أي: يفرج، «والوضح» البياض..[3/121] باب في أعضاء السجود 1142 - عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة أرابٍ: وجهه وكفّاه وركبتاه وقدماه» رواه الخمسة، وقال في "المنتقى": رواه الجماعة إلا البخاري، والاقتصار على استثناء البخاري مشعر بأن مسلمًا أخرجه، وهو في بعض نسخ مسلم، وعزاه في "جامع الأصول" إلى مسلم وأبي داود والترمذي، وعزاه في الأطراف، والحميدي في الجمع بين الصحيحين وابن الجوزي في جامعه والبيهقي لتخريج مسلم، وأنكر عياض في شرح مسلم، فقال: لم يقع عند شيوخنا في مسلم، قال في "التلخيص" إن ابن تيمية في "المنتقى" عزاه لتخريج مسلم، وأنه في بعض نسخ مسلم، وأنه مما استدركه الحاكم.1143 - وعن ابن عباس قال: «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نسجد على سبعة أعضاء، ولا نكف شعرًا ولا ثوبًا: الجبهة واليدين والركبتين والرجلين» أخرجاه، وفي لفظ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة وأشار بيده على أنفه، واليدين، والركبتين، والقدمين» متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: «أمرت أن أسجد على سبع، على الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين»..[3/122] باب ما جاء في السجود على ما يحمله المصلي 1144 - عن أنس قال: «كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» رواه الجماعة.1145 - وعن ابن عباس قال: «لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد» رواه أحمد، وأخرج نحوه ابن أبي شيبة عنه بلفظ: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها»، وهو بهذا اللفظ في "مجمع الزوائد"، ونسبه إلى أحمد وأبي يعلى والطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح.1146 - وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت عن أبيه عن جده قال: «جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بنا في مسجد بني الأشهل، فرأيته واضعًا يديه في ثوبه إذا سجد» رواه أحمد وابن ماجه، وقال: على ثوبه، وقد اختلف في إسناد هذا الحديث.1147 - وحديث خبَّاب في صحيح مسلم بلفظ: «شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في الرمضاء فلم يُشْكِنا»، وفي رواية للنسائي قال: «أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكونا إليه من الرمضاء فلم يُشكنا»، أخرجه الحاكم في الأربعين له، والبيهقي وصححه بلفظ: «شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرَّ الرمضاء في جباهنا، وأكفِّنا فلم يشكنا» انتهى. لا حجة فيه، ولم يعارض الأحاديث السابقة لأن الشكاة كانت لأجل تأخير الصلاة حتى يبرد الحر لا لأجل السجود على الحائل، إذ لو كانت كذلك لأذن لهم بالحائل المنفصل، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الخمرة، وأما الأحاديث التي فيها كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على كور عمامته فقد قال البيهقي: لا يثبت منها شيء..[3/123] باب الجلسة بين السجدتين وما يقول فيها 1148 - عن أنس قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم» رواه مسلم، وفي رواية متفق عليها: أن أنسًا قال: «إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا، فكان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول الناس: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول الناس: قد نسي».1149 - وقد تقدم في رفع اليدين حديث أبي حميد الساعدي، وفيه: «ثم هوى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد عليها واعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه».1150 - وسيأتي في الباب الذي بعد هذا حديث المسيء صلاته، وفيه: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا».1151 - وعن حذيفة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي» رواه النسائي وابن ماجه والترمذي، وأبو داود عن حذيفة مطولًا، وفيه: «وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوًا من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي».1152 - وعن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني، واجبرني واهدني وارزقني» رواه الترمذي وأبو داود إلا أنه قال فيه: «وعافني» مكان «واجبرني»، وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه..[3/124] باب السجدة الثانية ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما 1153 - عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل فصلّى ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ، فرجع فصلى كما صلّى، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل، ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلّمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في الصلاة كلها» متفق عليه، وفي لفظ لأحمد وابن حبان: «ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اصنع ذلك في كل ركعة»، وليس لمسلم فيه ذكر السجدة الثانية، وفي رواية لمسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة»، وفي رواية: «وعليك السلام ارجع» وزاد أبو داود في رواية له: «فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذه فإنما انتقصته من صلاتك» هذه رواية حديث أبي هريرة.1154 - وأخرج هذا الحديث الترمذي من حديث رفاعة بن رافع، وزاد فيه: «إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم، فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله»، وقال الترمذي: حديث حسن، وقال ابن عبد البر: حديث ثابت، وفي رواية لأبي داود من حديثه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنه لا تتم صلاة أحد الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء يعني مواضعه، ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه، ثم يقرأ بما شاء من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائمًا، ويقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ويرفع ثانية فيكبر، فإذا فعل ذلك تمت صلاته»، وفي أخرى له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ويغسل رجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر»، وفي أخرى له: «ثم يكبر ويسجد ويمكن وجهه»، وفي رواية: «جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله فتسترخي، ثم يكبر فيستوي قاعدًا على مقعدته ويقيم صلبه»، وفي رواية أخرى: «إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك، وإذا سجدت فمكن سجودك، فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى»، وفي رواية أخرى: «فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك»، وفي أخرى نحوه فقال فيه: «فتوضأ كما أمرك الله عز وجل، ثم تشهد فأقم ثم كبر».وفي رواية لا بن ماجه مكان قوله: «حتى تعتدل قائمًا» لفظ: «حتى تطمئن»، قال الحافظ: وهي على شرط مسلم، وأخرجها إسحاق بن راهَوَيْه في مسنده، وأبو نعيم في مستخرجه، والسراج عن أحد شيوخ البخاري، قال الحافظ: فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين. انتهى.وقد استوفيت في هذا الحديث جميع طرقه ورواياته لأمرين، أحدهما: زيادة بعض الأحكام في بعض الروايات، والأمر الآخر: أن هذا الحديث هو قطب الصلاة الذي يدور عليه رحاؤها، وأما قعدة الاستراحة فرواها البخاري عن ابن نُمَير في باب الاستئذان، وقد تقدم الكلام على جميع ما دلت عليه هذه الروايات ولم يبق إلا التشهد الأوسط وجلسة الاستراحة وفرش الفخذ وسيأتي ذلك، وقد وردت واجبات غير ما اشتمل عليه حديث المسيء بجميع طرقه كالنية، والقعود الأخير، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر الصلاة.1155 - وعن حذيفة «أنه رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا - صلى الله عليه وسلم -» رواه أحمد والبخاري، وفي رواية: «قال له حذيفة: ما صليت، واحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -».1156 - وعن أبي قتادة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، فقالوا: يا رسول الله! فكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: ولا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وقال في "مجمع الزوائد": أخرجه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح.1157 - ولأحمد من حديث أبي سعيد مثله إلا أنه قال: «يسرق صلاته».1158 - وعن عمار بن يسار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها، أو تسعها، أو ثمنها، أو سبعها، أو سدسها، حتى أتى على الصلاة» رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال: إسناده متصل، وصححه ابن السكن.1159 - وعن النعمان بن مُرَّة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما ترون في الشارب والزاني والسارق؟ وذلك قبل أن ينزل فيهم الحدود، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هن فواحش وفيهن عقوبة، وأَسْوَأُ السرقة التي يسرق صلاته، قالوا: وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها» رواه مالك في "الموطأ".1160 - وقد تقدم حديث أبي مسعود في صفة الركوع، وفيه: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود» أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي..[3/125] باب صفة النهوض إلى الركعة الثانية وما جاء في جلسة الاستراحة 1161 - عن وائل بن حجر: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفَّاه، فلما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافى عن إبطيه، وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه» رواه أبو داود بسند منقطع.1162 - وعن مالك بن الحُوَيْرث «أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا» رواه الجماعة إلا مسلمًا وابن ماجه، وفي لفظ للبخاري: «فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام».1163 - وله من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا»، وفي رواية أخرى له: «حتى تطمئن قائمًا»، قال في "التلخيص": وهو أشبه.1164 - وقد تقدم ذكر جلسة الاستراحة في حديث أبي حُمَيد الساعدي في باب رفع اليدين، فإنه قال فيه: «ثم هوَّى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال: الله أكبر، ثم جافى عضديه عن أبطيه وفتح أصابع رجليه، ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك» أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وأبو داود، وأما النووي فأنكر ثبوت جلسة الاستراحة في حديث المسيء صلاته، وأنكر أيضًا الطحاوي أن تكون جلسة الاستراحة في حديث أبي حميد، وفيما حررنا رد عليهما، وقد قدمت الإشارة إلى جلسة الاستراحة في حديث المسيء، وذكرنا هنالك أن البخاري أخرجها في كتاب الاستئذان في حديث أبي هريرة، ولا حجة لمن استدل بعدم سنية هذه الجلسة بأنها لم تذكر في بعض الروايات، فعدم الذكر لا يدل على العدم، وروايات الإثبات حجة..[3/126] باب افتتاح الركعة الثانية بالقراءة من غير تعوذ ولا سكتة 1165 - عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض في الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت» رواه مسلم..[3/127] باب الأمر بالتشهد الأوسط وسقوطه بالسهو 1166 - عن ابن مسعود قال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته! السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل» رواه أحمد والنسائي. فرواية أحمد من طرق في بعض ألفاظها اختلاف ورجالها ثقات، ورواية الترمذي بلفظ: «علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعدنا في الركعتين»، وفي رواية للنسائي: «فقولوا في كل جلسة»، وأصل الحديث في الصحيحين بدون الزيادة التي في أوله، أعني: «إذا قعدتم في كل ركعتين» وسيأتي إن شاء الله.1167 - وعن رِفاعة بن رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قمت في صلاتك فكبر، ثم اقرأ بما تيسر عليك من القرآن، فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئنّ وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد» رواه أبو داود وهو طرف من حديث رفاعة في قصة المسيء صلاته، وقد تقدم، وقد أخرجه النسائي وابن ماجه، والترمذي وحسنه، وانفرد أبو داود بزيادة قوله: «فإذا جلست في وسط الصلاة» وذكرها بإسناد رجاله ثقات.1168 - وعن عبد الله بن بُحَيْنَةَ «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما تم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدها الناس معه مكان ما نسي من الجلوس» رواه الجماعة..[3/128] باب صفة الجلوس في التشهد وبين السجدتين وما جاء في التورك والإقعاء 1169 - عن وائل بن حُجْر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد ضم أصابعه» رواه ابن خزيمة وابن حبان، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.1170 - وأخرج الدارقطني من حديث عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة» وإسناده ضعيف.1171 - وعن وائل بن حُجْر «أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وأخرجه ابن ماجه والترمذي ولفظه: «فلما جلس،يعني للتشهد افترش رجله اليسرى، ووضع يده، يعني على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى»، وقال الترمذي: حسن صحيح.1172 - وعن رفاعة بن رافع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي: «إذا سجدت فمكن لسجودك، فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى» رواه أحمد وأبو داود في قصة المسيء، ولا مطعن في إسناده، وهو بلفظ: «إذا سجدت فمكن سجودك، وإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى»، وفي رواية: «فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد»، وقد تقدمت هذه الروايات في حديث المسيء، وحديث رفاعة أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وابن حبان.1173 - وقد تقدم حديث أبي حميد الساعدي في باب رفع اليدين، أخرجه البخاري وفيه: «فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته».1174 - وعن عائشة قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقب الشيطان، وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم» مختصر من حديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود.1175 - وعن أبي هريرة قال: «نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب» رواه أحمد والبيهقي وأبو يعلى والطبراني في "الأوسط"، قال في "مجمع الزوائد": وإسناد أحمد حسن.1176 - والنهي عن نقرة الغراب، أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" من حديث عبد الرحمن بن شبل، وسيأتي في أبواب الجماعة في باب ما جاء فيمن يلازم بقعة بعينها في المسجد.1177 - والنهي عن الإقعاء أخرجه الترمذي وأبو داود من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «لا تُقع بين السجدتين» وفي إسناده مقال.1178 - وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس بلفظ: «إذا رفعت رأسك من سجودك فلا تُقعِ كما يقعي الكلب، ضع إليتك بين قدميك، والزق ظاهر قدميك بالأرض» وإسناده ضعيف.1179 - وقد ورد ما يعارض هذه الأحاديث، ففي "جامع الأصول" قال: «قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: هو السنة، فقلنا له: أما تراه جفاء بالرجل؟ فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيكم» أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وزاد أبو داود بعد القدمين «في السجود» انتهى.1180 - وأخرج البيهقي عن ابن عمر «أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه، ويقول: إنه من السنة».1181 - وعن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقعيان.1182 - وقال طاوس: رأيت العبادلة يقعون، قال الحافظ: وأسانيدها صحيحة. انتهى.وقد جمع بين الأحاديث: بأن الإقعاء الذي ورد النهي عنه هو ما سيأتي تفسيره عن أبي عبيد، والإقعاء الذي قال ابن عباس: إنه من السنة هو وضع الإليتين على العقبين، وهو التفسير الثاني الذي سيأتي.قوله: «عَقِب الشيطان» بفتح العين وكسر القاف هو المشهور الصحيح، وحكى بضم العين مع فتح القاف، وقد فسَّره أبو عبيد بأنه الإقعاء المنهي عنه، وهو: أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كأقعاء الكلب، وقيل: هو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، وافتراش السبع هو: أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود ويفضي بمرفقيه وكفه إلى الأرض.
|